يعتبر اقتصاد دولة الإمارات مفتوح بقوة على أداء الاقتصاد العالمي، وسوقه تعتمد آلية العرض والطلب، فإن الخطط التي تم وضعها من قبل الجهات الرسمية أسهمت في التكيف السريع مع متغيرات الاقتصاد العالمي، وما يشهده من أزمات ، فمنذ بداية جائحة «كورونا» يشهد اقتصاد العالم وحتى الآن، مروراً بالحرب الروسية على أوكرانيا، سلسة تداعيات سلبية أثرت في انسيابية تبادل السلع والخدمات بين الدول، وأبطأت من سلاسل إمداد الغذاء والبضائع، ما أوجد تضخماً في الأسعار، أجبر المصارف المركزية حول العالم، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على رفع الفائدة الرئيسة أكثر من مرة، وسط مخاوف وتحذيرات من ركود تضخمي يفاقم من معاناة الأسواق العالمية. وما خلفته من تداعيات، وكذلك الحرب الروسية في أوكرانيا .
وقد تعاملت حكومة دولة الإمارات وفق خريطة طريق تعد نموذجاً يحتذى للكثير من الاقتصادات، حيث قدمت دعماً مباشراً وغير مباشر للأنشطة الاقتصادية كافة، فضلاً عن اتخاذ عدد من القرارات الفورية، مثل تخفيض وإلغاء الرسوم المفروضة على قطاع الأعمال، وتقديم عروض ترويجية وتسويقية لامتصاص تأثيرات رفع الفائدة، وتحفيز الطلب على التمويل، ومن ثم تحريك قطاع التجزئة، إضافة إلى تنويع وجهات الاستيراد لتوفير كل المواد الغذائية، وعدم حصرها في مناطق تشهد نزاعات أو حروب، وعدم السماح بزيادة أسعار السلع الأساسية إلا بعد موافقة من وزارة الاقتصاد.
وبحسب مسؤولين ومختصين، فإن ما يشهده اقتصاد الإمارات من معدلات نمو قوية، وزيادة في نسب التوظيف والأجور، وعدم حدوث أي نقص في السلع الغذائية والأدوية وكل البضائع الأخرى، فضلاً عن ارتفاع الطلب على التمويلات بأنواعها، إنما هو انعكاس مباشر ونجاح للخطط والسياسيات المعمول بها منذ بداية أزمة «كورونا»، ومستمرة حتى الآن، مع المراجعة المستمرة لها، وتعديلها كلما تطلب وضع السوق العالمية ذلك.
وقال وكيل وزارة المالية، يونس حاجي الخوري، إن دولة الإمارات قدّمت نموذجاً للعالم في التعامل مع ما تشهده الساحة الاقتصادية العالمية بكل متغيراتها ، وأكد أن الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات متين ومرن، ولديه مقومات تعزز قدرته على تجاوز الأزمات، وتحقيق الريادة.
وتابع: «في مواجهة فيروس (كوفيد-19)، مثلاً، تم تقديم الدعم وخطط التحفيز الاقتصادية الضخمة للقطاعات الأكثر تضرراً بقيمة إجمالية 282.5 مليار درهم، ما شكل حماية ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وربط التمويلات بالقطاعات المستفيدة وفق خطط مدروسة وآليات فعالة».
وبيّن أن المرحلة الثانية وهي مستمرة حتى الآن، تمثلت بخطة تحفيز طويلة المدى للاقتصاد لتسريع التعافي، ودفع عجلة النمو قدماً، والعمل على تحويل التحديات إلى فرص لتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تعزيز مرونة واستدامة النموذج الاقتصادي المتبع، وتشجيع التمويل والاستثمار في القطاعات ذات الإمكانات المستقبلية العالية.
وأشار الخوري إلى أبرز القطاعات ذات الإمكانات المستقبلية والمتمثلة في الاقتصاد الرقمي بما يشمل: الذكاء الاصطناعي، وشبكة الجيل الخامس، وإنترنت الأشياء، والمدن الذكية، ومفاهيم وصناعات الاقتصاد الأخضر مثل: الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، والاقتصاد الدائري، إضافة إلى تعزيز الإنتاجية، من خلال إدماج تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد، وأنظمة الروبوتكس، فضلاً عن تعزيز الأمن الغذائي، باستخدام تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، إضافة إلى قطاع التكنولوجيا الذي يلعب دوراً مهماً في تطوير قاعدة بيانات ضخمة لتحديد أنواع الصناعات ذات القيمة المضافة، والقابلة للاحتضان محلياً، بما يسهم في تعزيز التنويع الاقتصادي لدولة الإمارات.
وقال وكيل وزارة المالية، إن الوزارة تقوم بالعمل على اقتراح السياسات والتشريعات والحوافز المطلوبة لدعم نجاح الفرص لقطاع الصناعة في الدولة، وضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستعداد المستمر لأي تحديات مستقبلية، وإطلاق برامج لدعم قطاعات الصحة والتعليم والتكنولوجيا والأمن الغذائي، بحيث يكون العنصر البشري أساس التنمية الشاملة.
وأكد مواصلة الوزارة العمل والتنسيق مع المجتمع الدولي، بما يكفل بناء منظومة تعاون اقتصادية وجيوسياسية للتصدي الأمثل للكوارث الصحية والبيئية، واحتوائها والتقليص من نتائجها، إضافة إلى دعم وتشجيع برامج الابتكار الحكومي، لإيجاد آليات مبتكرة، لتطوير وتنمية القطاعات الاقتصادية في الدولة، وتحقيق التنمية الشاملة لكل القطاعات، وإطلاق دليل تسعير للرسوم لخدمات الحكومة الاتحادية، بهدف توفير إطار يتسم بالشفافية والاتساق وسهولة التطبيق، ويمكن لجميع الجهات الاتحادية المعنية الاستعانة به في عملية تسعير الرسوم.
وكان مجلس الوزراء وافق على موازنة عامة اتحادية قيمتها 58.9 مليار درهم لعام 2022، تركز على توفير أعلى مستوى ممكن من الرفاهية للمواطنين والمقيمين في الدولة، حيث تم تخصيص الحصة الكبرى من الموازنة بنسبة 41.2% للتنمية وقطاع الاستحقاقات الاجتماعية، مع التركيز على الارتقاء بقطاعات التعليم، والرعاية الصحية، والشؤون الاجتماعية في الدولة إلى أعلى المستويات.
ومنذ بداية جائحة «كورونا» حتى الآن، بادرت وزارة المالية إلى إلغاء وخفض رسوم، بناء على مشروع مراجعة الرسوم، إذ تم تخفيض قيمة العديد من الرسوم لتخفيف العبء المالي على المتعاملين، لاسيما رسوم خدمات وزارتي «الاقتصاد»، و«الموارد البشرية والتوطين»، كما تم إلغاء العديد من الرسوم في وزارتي «الداخلية» و«المالية»، في وقت بلغ فيه إجمالي قيمة التخفيضات والإلغاءات التي تمت ما يفوق مليار درهم.
وفي السياق نفسه، منحت الدوائر المحلية، الأعمال، تخفيضاً على رسوم بعض المعاملات، وإلغاء البعض الآخر، ما أسهم كثيراً في سرعة التكيف وتحقيق فوائض.
وبحسب الخبير الاقتصادي، الدكتور حماد عبدالله بن حمّاد، فإن أهم ما يميز اقتصاد الإمارات وجود خطط واستراتيجيات موضوعة سلفاً تتضمن مسارات للتعامل مع الأزمات والأحداث الطارئة، محلياً أو عالمياً. وقال: «لذلك، لم يشعر المواطنون وأصحاب أعمال بأن هناك تأثيرات كبيرة لما تشهده الساحة الاقتصادية العالمية من تقلبات».
وأكد أن توافر التشريعات المستقرة والأمان، ومرونة القرارات، فضلاً عن خفض العديد من الرسوم، ساعد كثيراً أصحاب الأعمال، في تحقيق وفورات مالية تم توجيهها للتوسع والنمو.
وتابع: «بحسب مسح أحوال الأعمال التجارية الصادر عن المصرف المركزي أخيراً، فإن توقعات الأعمال التجارية خلال الربع الأول من العام الجاري كانت متفائلة فيما يتعلق بجميع المتغيرات، وسط ارتفاع طلب السوق على السلع والخدمات، وقرب وصول العمليات التجارية إلى مستويات ما قبل (كوفيد-19)، وزيادة المشروعات وأعداد المتعاملين».
وأشار المسح كذلك إلى انتعاش الاستهلاك المحلي خلال الربع الأول من العام الجاري، مدعوماً بزيادة التوظيف والأجور، مبيناً أنه بالاستناد إلى بيانات نظام حماية الأجور، فقد ارتفع عدد الموظفين والأجور بنسبة 8.1% و4.9% على أساس سنوي على التوالي في نهاية مارس 2022، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ بداية سلسلة البيانات في عام 2012.
ووفق المصرف المركزي، فإن قطاع تجارة الجملة والتجزئة لايزال يظهر علامات تعاف قوية، متجاوزاً مستويات عام 2019، إذ سجل نمواً بنسبة 4.5% في إجمالي الإنفاق الاستهلاكي في 2021، فيما تتسم نظرته المستقبلية لعام 2022 بأنها إيجابية.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق