أنطلقت مباردة «حوار الاستدامة» تحت تنظيم اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، والتي أطلقتها في إطار جهود الحكومة لتجسيد توجهات القيادة في عام الاستدامة، جلسة حوارية تفاعلية، تحدث فيها معالي زكي أنور نسيبة المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، وأدارها عبد الله ناصر لوتاه مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي، نائب رئيس اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة.
وتناولت الجلسة الأولى لحوار الاستدامة مسيرة دولة الإمارات في تحقيق الاستدامة منذ تولي الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في أبوظبي، وفلسفته القيادية وفكره القائم على الاستدامة، ووضعها كمعيار في جميع المجالات، مثل استخراج النفط، والحفاظ على الأشجار والاهتمام بالزراعة، وما تلا ذلك على مدى أكثر من 50 عاماً من تأسيس الدولة، من عمل دؤوب لتعزيز مسيرة التنمية، وربطها بأهداف التنمية المستدامة.
حضر الجلسة أعضاء اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، ونخبة من منتسبي برنامج القيادات الشابة لأهداف التنمية المستدامة.
وأكد معالي زكي نسيبة، أن دولة الإمارات رسمت لنفسها دوراً رائداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الخمسين سنة الماضية، من خلال مزيج من التنمية الاقتصادية السريعة والدبلوماسية الاستراتيجية وجهود التحديث، وأنجزت بنجاح فائق البنية التحتية المتميزة، وحققت التنويع الاقتصادي، والنمو السريع المستدام مع التقدم التكنولوجي والابتكار، كما نجحت في تحقيق الاستقرار السياسي، والدبلوماسية الاستراتيجية، والقوة الناعمة والأمن، وكلها ركائز للتنمية المستدامة.
وأضاف: أولت دولة على مدى العقود الماضية، أولوية مطلقة لتعميق الروابط المالية والاستثمارية والتجارية على طول طريق الحرير، لا سيما مع أكبر سوقين ناشئين في العالم، الصين والهند، حيث يمكن لهذه الشبكة المترامية من العلاقات الاقتصادية، التي تشمل توقيع اتفاقيات تجارية، تسريع دورها كمركز عالمي للأسواق الناشئة للتمويل والتجارة والطاقة، وللشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
وقال إن هذه الدولة الخليجية الصاعدة، التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، تتيح إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية لأكثر من ملياري شخص على مفترق طرق القارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية.
وأكد معالي زكي نسيبة أن دولة الإمارات نموذج يحتذى به في التنمية الإقليمية المستدامة، حيث أنشأت هوية فريدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال مزيج من التنويع الاقتصادي والدبلوماسية الاستراتيجية والاستقرار السياسي ومبادرات القوة الناعمة.
وتحدث عن جملة من العوامل الفارقة في مسيرة الإمارات لتحقيق التنمية المستدامة، أبرزها التعليم ورأس المال البشري، وتشجيع ريادة الأعمال والابتكار والتعاون الإقليمي والاستقرار السياسي، وأشار إلى الاهتمام العالمي بأهداف التنمية المستدامة، لمعالجة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ما يضمن تلبية احتياجات الحاضر، دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة لمواجهة التحديات التي تحيط بكوكبنا، وتشمل أهدافها التقدم الاجتماعي وحماية البيئة والازدهار الاقتصادي.
الأهداف الأممية
كما تحدث معاليه عن أهداف التنمية المستدامة في الأمم المتحدة (SDGs)، وهي مجموعة من 17 هدفياً مترابطاً، تهدف إلى مواجهة التحديات العالمية، وخلق مستقبل مستدام للجميع. منها القضاء على الفقر، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان النزاهة البيئية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعزيز الرخاء الاقتصادي، والاستهلاك المستدام، وتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة، وتعزيز الحوكمة والقدرات المؤسسية، وغيرها.
وأكد أن دولة الإمارات اتخذت عدة مبادرات لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، ومن بينها المراجعة الطوعية الوطنية، واللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، والعمل المناخي والحفاظ على الماء، والمدن والبنية التحتية المستدامة، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، والتعليم الجيد، والتعاون الدولي، والعناية الطبية، والتحول إلى الطاقة المتجددة، والشراكات، والإدماج في الخطط الوطنية للتنمية.
جامعة الإمارات
وذكر معاليه أنه منذ تأسيس جامعة الإمارات عام 1976، كانت الاستدامة جزءاً أصيلاً من برامجها، واستطاعت من خلال مناهجها التعليمية دعم المعارف والعلوم، وتحديداً من خلال كلية العلوم، وكلية الهندسة وكلية الزراعة والطب البيطري، حيث تطرح هذه الكليات العديد من المساقات الدراسية المتصلة بالبيئة والاستدامة، بما في ذلك برنامج ماجستير علوم البيئة والاستدامة عام 1994.
وحول أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، قال إنها تضم العديد من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، من خلال وظائفها الأساسية الثلاث: البرامج الأكاديمية والبحث والتحليل والتدريب التنفيذي، فمن خلال هذا النهج متعدد الأوجه، يتم ضمان تكامل وتطبيق أهداف التنمية المستدامة السبعة، من خلال الدورات التدريبية والدورات التدريبية، والفعاليات المختلفة التي يقدمها.
رؤية مستدامة
وأشار معالي زكي نسيبة إلى المحاور الستة لمنظور الشيخ زايد، رحمه الله، للتنمية المستدامة، وهي: الطموح العملاق، والاهتمام بالبيئة، والتنمية التحويلية، ومنهجية التنمية، والبعد الإنساني في مساعدة الآخرين، والاستثمار في التعليم، لأن الإنسان في منظور القائد المؤسس، هو ثروة الوطن الحقيقية.
وتحدث معاليه عن الطموحات العملاقة بقوله: «دولة الإمارات دأبت العمل منذ البدايات، وليس فقط اليوم، على الالتزام بمعايير الاستدامة، والحفاظ على البيئة، تسير في ذلك على نهج القائد المؤسس، الشيخ زايد، رحمه الله، ومن بعض ملامح الرؤية التنموية المستدامة للشيخ زايد، كما عاصرتها «الرؤية العملاقة» ويجسد هذا الوصف بأبلغ تعبير، الرؤية التنموية للشيخ زايد، القائد المؤسّس، تلك الرؤية التي رفضت القبول بالواقع الذي كانتْ تمر به البلاد، ولم تكتفِ باستشراف مستقبل غير واضح المعالم، بل عمل على صناعة تاريخ جديد، يؤمن لشعبه سبل الحياة الكريمة، ويحافظ على سيادة بلاده وأمنها واستقرارها، ويكرس لدولته الناشئة موقعاً مميزاً، على الساحتين الإقليمية والعالمية، ومع ذلك، فإن هذه التحديات لم تحد من أفق رؤيته التنموية العملاقة، ولا التحديات اللاحقة، مثل فترة 1969 من نقص حاد في السيولة، بسبب انهيار أسعار النفط، أو الحاجة في عام 1973 للاقتراض من البنوك الغربية لمساعدة مصر وسوريا».
وقال إن الانسحاب البريطاني لم يعرقل طموحاته بتأمين قوات دفاعية، تضمن سيادة الدولة وحرمة أراضيها، وتساعد على ترسيخ أسس السلام والاستقرار في المنطقة. كما أسس لقوات شرطة قادرة على حفظ الأمن الداخلي، وتعمل في خدمة الشعب، مؤكداً أن هذه كانت سنوات محورية، وأول لمحة عن حجم وطموحات رؤيته التنموية.
مستقبل مزدهر
وأكد معالي زكي نسيبة أن الشيخ زايد تبنى قناعة راسخة بأنَّ الطريق نحو المستقبل، يجب أن يقوم على بناء الاتحاد، لتقوية وشائج القربى والتعاون بين أبناء الإمارات، ولتعميم الرفاه على سكانها، ولتأمين سيادة واستقلال البلاد بعد الانسحاب البريطاني، ولبناء شبكة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية.
وقال إن الإيمان العميق بأنه مندوب لتسخير نفسه وثروة بلاده لتحسين وسائل المعيشة لشعبه، ولتأمينِهم بكل متطلبات الحياة العصرية، من خدمات ومرافق تكفل الحياة الكريمة لكل مواطن، وتمد يد العون لكل محتاج في المنطقة ومن حولها.
وأكد ضرورة التزام استراتيجية تنموية متوازنة، تحفظ تناغم خطوات التقدم واللحاق بالعصر الحديث، مع التمسك بالتاريخ والتراث والهوية الوطنية، وكلها مبادئ تتماهى مع العديد من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتحدث عن دولة القيادات الشابة، التي تخوض عملية تنمية مستدامة لا تعترف بالمستحيل، محورها الإعداد لمئوية الإمارات، وتحقيق المركز الأول عام 2071، وقال إذا نظرنا إلى الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، نجدها كلها في صميم الرؤية التنموية للشيخ زايد وللقيادة الحالية.
وأضاف معاليه: القاعدة الرئيسة التي كانت تحدد الرؤية التنموية للقائد المؤسس، الشيخ زايد، رحمه الله، في جميع هذه المحاور، هي أنه على كل مسؤول أن يحرص على التخطيط السليم، والعمل الدؤوب، وإظهار المرونة للتكيّف مع المتغيرات، وفوقَ كل شيء، الحرص على عدم الخوف من الخطأ.
وتناول معالي زكي نسيبة في الجزء الثاني من الحوار، خصائص الفلسفة القيادية للمغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، من منظور تجربة معاليه الشخصية في العمل معه، رحمه الله، والسمات القيادية الفريدة التي كان الشيخ زايد، رحمه الله، يتمتع بها.
منصة توعوية
وأكد عبد الله لوتاه أن «حوار الاستدامة»، يمثل مبادرة داعمة للحملة الوطنية للتوعية بمبادرات ومشاريع الاستدامة في الدولة، التي أطلقها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، رئيس اللجنة الوطنية العليا للإشراف على أعمال التحضير للدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، وهي منصة لتعزيز الوعي بأهمية العمل المشترك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعم توجهات الدولة في عام الاستدامة، من خلال ما توفره من فرصة للحوار المفتوح، وإشراك الجهات والأفراد في تحقيق رؤى القيادة الرشيدة، بضمان مستقبل أكثر استدامة.
وقال عبد الله لوتاه إن اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، تسعى منذ تشكيلها عام 2017، للمشاركة الفاعلة في تعزيز ريادة الدولة وموقعها القيادي العالمي في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعمل على تعزيز الشراكات الوطنية الهادفة لتحقيق أثر إيجابي ملموس في حياة المجتمع، من خلال تنسيق الجهود الوطنية في مجال الاستدامة، ودعم المشاريع الكبرى التي تقودها دولة الإمارات في هذا الإطار، والمساهمة في إنجاح الفعاليات الكبرى التي تستضيفها الدولة، مثل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28».
اليوم للغد
الجدير بالذكر، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أعلن 2023 «عام الاستدامة» في دولة الإمارات، ويهدف «عام الاستدامة»، الذي أطلق تحت شعار «اليوم للغد»، إلى تسليط الضوء على تراث دولة الإمارات الغني في مجال الممارسات المستدامة، ونشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية، إضافة إلى التعريف بجهود الدولة في تعزيز العمل الدولي لمعالجة تحديات الاستدامة، ودورها في البحث عن حلول مبتكرة، خاصة في مجالات الطاقة والتغير المناخي وغيرها.
وتم تشكيل اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة في دولة الإمارات في يناير 2017، وترأس اللجنة معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، ويتولى المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء أمانة اللجنة، التي تضم في عضويتها وزارة شؤون مجلس الوزراء، ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، و13 جهة حكومية اتحادية. وتقوم اللجنة بمواءمة أهداف التنمية المستدامة مع الأولويات الوطنية، ودعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتتعاون مع الشركاء محلياً ودولياً، لتوسيع دائرة المشاركين الفاعلين في تنفيذ أجندة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة 2030.
وتهدف الحملة الوطنية للتوعية بمبادرات ومشاريع الاستدامة في الدولة، إلى نشر الوعي حول الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية، بما يحقق التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد ومسؤولياتهم، وصولاً لمجتمع واعٍ بيئياً، وتغطي الحملة محاور عدة، أبرزها إرث الوالد المؤسس، الذي يسلط الضوء على نهج وإرث الوالد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مجال الاستدامة، ومحور «أبطال العمل المناخي»، ومحور «الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي».